مقدمة عن الطاقة الشمسية: الأنظمة والتطبيقات (2/1)
العالم يعاني من آثار استخدام مصادر الطاقة الأحفورية (النفط، الفحم، الغاز) وما نتج عنها من إنبعاثات كربونية وغازات دفيئة أدت إلى تغيرات مناخية كبيرة، أدرك العالم الخطر الذي يحيط به فبدأ يواجه هذا الخطر ببناء ما أطلق عليه الاقتصاد الأخضر، وهو الاقتصاد الذي يهدف إلى تقليل المشكلات البيئية وتحقيق التنمية المستدامة ويتم ذلك عبر ما سمي بالتحول الطاقي Energy Transition وهو الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة سواء كلياً أو كأنظمة هجينة بالمشاركة مع مصادر الطاقة الأحفورية وإلى جانب ذلك تقليل استهلاك الطاقة من خلال تحسين كفاءة استخدام الطاقة.
الطاقة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة، حيث تستخدم كمية الطاقة المتاحة لكل فرد كمؤشر على رفاهية الاقتصاد، ما جعل ضرورة أن تعتني كل دولة بإمتلاك قدراتها من الطاقة، فأتجهت بعض الدول لإنتاج مصادر الطاقة الأحفورية بكثرة، والبعض أتجه إلى بناء مشروعات الطاقة المتجددة على نطاق أوسع، والبعض الذي لم يكن يكفيه ما لديه داخل حدود دولته يذهب باحثاً عنه عبر استيراد احتياجاته من دول أخرى.
هذا هو ما حدث مع أوروبا عندما أعتمدت بشكل رئيسي على الغاز الروسي كمكون رئيسي في مصادر طاقتها، حيث تشير البيانات حسب Eurostat إلى أن روسيا توفر قرابة 41% من احتياجات القارة العجوز من الغاز.
حينما بدأت الحرب بين روسيا وأوكرانيا فرضت أوروبا عقوبات اقتصادية على روسيا حتى تقف الحرب بين البلدين إلى جانب تدعيم أوكرانيا بالسلاح كونها الطرف الأضعف، وهنا بدأت روسيا تستخدم سلاحها الأقوى في فرض أرائها على أوروبا دون أن تطلق رصاصة واحدة فكان يكفي أن تهدد بقطع إمدادات الطاقة عن أوروبا او تقطعها لمدة قصيرة تحت دعاوي اجراء صيانة حتى أصبحت أسعار الطاقة مرتفعة، فأرتفع التضخم ما اجبر البنوك المركزية على رفع الفائدة.
تفاقمت أزمة الطاقة في أوروبا حيث زادت أسعار الطاقة وما زاد التخوف أكثر هو أن تتفاقم هذه الأزمة في إلى درجة عدم توفر احتياجات المواطنين وخاصة وأن الشتاء القادم ليس ببعيد حيث تزداد الحاجة إلى التدفئة، فراحت الدول الأوروبية تدعو إلى زيادة إنتاج النفط، وبحثت عن تلبية احتياجاتها من بلدان أخرى فنظرت إلى بلدان إفريقيا والتي قد تشهد استثمارات في مجال الطاقة كجنوب إفريقيا وناميبيا وأوغندا وكينيا، حاولت أمريكا طمأنة الأوروبيين لكن لا جدوى من كل هذه المحاولات حيث أسعار الطاقة ترتفع باستمرار فأصبح سعر برميل النفط أكثر من 100 دولار أمريكي.
زيارة الرئيس الامريكي بايدن للسعودية خلال قمة جدة للأمن والتنمية منتصف شهر يوليو الماضي حملت الكثير من الأماني للأوروبيين وللاقتصاد الأمريكي، تحاول أمريكا الضغط على السعودية وباقي دول مجلس التعاون الخليجي لزيادة إنتاج النفط، فجاء الرد السعودي دون تأخر من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قائلاً أن السعودية قد وصلت لأقصى طاقة إنتاجية ممكنة في الوقت الحالي وهي 13 مليون برميل نفط يومياً.
لم تنكر السعودية أهمية زيادة إنتاج النفط في السنوات المقبلة حيث ذكر الأمير محمد بن سلمان أن السياسات غير الواقعية لتخفيض الانبعاثات ستؤدي إلى تضخم غير معهود في أسعار الطاقة وبطالة ومشكلات خطيرة وهو ما يلزم ضخ المزيد من الاستثمارات في الطاقة الأحفورية خلال العقدين القادمين.
هذه التصريحات تدعونا نحن المهتمين بالتحول الأخضر إلى التفكير في السيناريوهات المطروحة:
ما يعزز هذا التوجه هو الخطة التي وضعتها أوروبا لتقليل الاعتماد على الغاز بنحو 9 مليار متر مكعب وزيادة نسبة استخدام الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء من 40% إلى 45% بحلول عام 2030، وزيادة حصة الطاقة الشمسية إلى 320 جيجاوات بحلول عام 2025، ثم 600 جيجاوات بحلول عام 2030. أما طاقة الرياح فتسعى أوروبا إلى تركيب ما يتراوح بين 450 جيجاوات و490 جيجاوات بحلول عام 2030، بالإضافة إلى إنتاج 10 ملايين طن من الهيدروجين واستيراد 10 ملايين طن أخرى بحلول عام 2030.
إن زيادة سعر برميل النفط من شأنها أن تبطيء من التحول الأخضر أيضاً حيث أن زيادة السعر تشجع شركات الطاقة الأحفورية من زيادة استثماراتها لتحقيق مكاسب خيالية من فرق السعر في أسواق الطاقة، وحينما تزيد الكمية المعروضة بعد فترة سوف يعود سعر برميل النفط مرة أخرى للانخفاض وهو ما قد يهدد مشروعات الطاقة المتجددة بالكساد نتيجة لعدم قدرتها على المنافسة سعرياً أمام الطاقة الأحفورية، كما أن ارتباط زيادة سعر برميل النفط بزيادة التضخم، يعني أن تكلفة تمويل مشروعات الطاقة المتجددة سوف تزيد وهو ما يهدد بإنكماش استثمارات الطاقة المتجددة.
رغم ما يحمله هذا السيناريو من وضع كارثي على التحول الأخضر، إلا أن زيادة سعر برميل النفط وأزمات الطاقة المتكررة تلقي الضوء على أهمية التحرر من مصادر الطاقة الأحفورية والتي هي متقلبة في سعرها والمباشرة السريعة في مشروعات الطاقة المتجددة وإن كانت تكلفتها في الوقت الحالي في زيادة إلا إنها وعلى المدى البعيد هي الاختيار الأفضل للتحرر من تبعية السوق المتقلب للطاقة الأحفورية.
وأخيراً، امتلاك مصادر الطاقة سواء كانت أحفورية أو نظيفة أمر حتمي أن يفكر فيه جميع قادة الدول، فبدون الطاقة لا يمكن امتلاك التكنولوجيا الحديثة، ولكن الأمر الحتمي الآخر هو أنه لا يمكن إغفال الآثار البيئية التي نعاني منها جراء استخدام مصادر الطاقة الأحفورية وهو ما يدعو أيضاً قادة الدول بالالتزام باستراتيجيات التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة، كما ويحتم على الهيئات ذات الصلة والمؤسسات الثقافية أن توعي المواطنين على كافة المستويات بأهمية ترشيد استهلاك الطاقة من خلال تغيير السلوكيات الفردية سواء في المنزل أو العمل أو حتى في الطرق.
عمر رأفت محمد
محاضر وباحث أنظمة الطاقة المتجددة وترشيد الطاقة بجامعة الاسكندرية
مهندس تصميم وتركيب أنظمة الطاقة الشمسية
Omarr.mohamed332@gmail.com.